لبنان بين السلاح غير الشرعي والمجتمع الدولي: التحديات والقرارات الدولية
بقلم ميراز الجندي✍️…
لبنان، ذلك البلد المتنوع والمتعدد الطوائف، الذي يحمل إرثًا ثقافيًا وحضاريًا لا مثيل له، يقف اليوم على مفترق طرق مصيري في ظل استمرار معضلاته السياسية والأمنية. يشهد لبنان صراعًا بين الدولة وميليشيات مسلحة، وبين محاولات الإصلاح وفساد مستشري يطال المؤسسات ويعطل سير عجلة التقدم. وفي الوقت الذي يتعرض فيه لبنان لضغوطات داخلية وخارجية، تزداد الحاجة الملحة إلى تطبيق القرارات الدولية التي تضمن سيادة الدولة، وتفرض الأمن والاستقرار.
*القرار 1559 و1701: ضرورة تطبيقهما لضمان السيادة اللبنانية*
منذ عام 2004، أقر مجلس الأمن الدولي القرار 1559، الذي يشكل خطوة أساسية نحو استعادة لبنان سيادته كاملة، ويشمل بندًا رئيسيًا يتمثل في ضرورة نزع سلاح الميليشيات كافة داخل لبنان. وهذا القرار ينص على أن جميع الميليشيات المسلحة التي تعمل خارج نطاق الدولة يجب أن يتم نزع سلاحها وإعادة تأكيد سلطة الحكومة اللبنانية على كافة الأراضي اللبنانية.
تجسد هذه الحاجة الملحة لسيطرة الدولة على أراضيها ومواردها بشكل أكبر في القرار 1701، الذي تم إقراره في عام 2006 بعد حرب تموز، ويشمل بندًا أساسيًا يتعلق بالتهديدات الأمنية في الجنوب اللبناني، وضرورة نشر قوات الأمم المتحدة في المنطقة لضمان الأمن والاستقرار. غير أن تطبيق القرار 1701 بشكل كامل يتطلب نزع سلاح حزب الله وغيره من الميليشيات المسلحة المنتشرة في لبنان، والتي تهدد بتقويض السلطة الوطنية وفرض نفوذ خارجي على البلاد.
*غطرسة حزب الله: أدوات القوة والتهديد بالاحتلال المحلي*
منذ اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، إلى اليوم، لا يزال حزب الله يحتفظ بقوته العسكرية ويستخدمها كأداة لفرض هيمنته على المشهد السياسي اللبناني. الحزب، المدعوم من إيران، أصبح يمثل قوة معرقلة لإعادة بناء الدولة اللبنانية، حيث يتحدى سلطتها ويستعرض قوته العسكرية في مشهد منغمس في السياسة المحلية والإقليمية.
تتجلى غطرسة حزب الله بشكل واضح في استخدامه للنفوذ الميليشيوي على حساب الدولة، حيث يحاول فرض سيطرته على مفاصل الحياة اليومية في لبنان، من خلال تجنيد أفراد من مناطق معينة، أو باستخدام شعارات مذهبية لتحفيز الفتنة والتوتر داخل المجتمع اللبناني. في بعض الأحيان، يلوح حزب الله بالتهديدات عبر أدواته المحلية التي تارة تشمل أهالي ، وتارة أخرى باستخدام العشائر أو الاحتجاجات العنيفة، كما حدث في إغلاق طريق المطار.
*من طريق القدس إلى طريق المطار: من الصراع الإقليمي إلى المعاناة المحلية*
لبنان الذي كان يحلم بأن يكون محطة للتقدم العربي في الطريق نحو القدس الشعار الذي يرفعه محور ما يسمى الممانعة والاسناد التدميري، ونتيجة لذلك أصبح اليوم يواجه معضلات أكبر وأعقد، مع تحول الساحة اللبنانية إلى نقطة انطلاق للصراعات الإقليمية، بدلاً من أن يكون منصة للاستقرار والتطور. كان لبنان، في فترة من الفترات، طامحًا لتحقيق الاستقلال الكامل بعيدًا عن التدخلات الإقليمية والدولية، وأصبح اليوم محاصرًا بالأزمات المترتبة على تدخل حزب الله في أكثر من صراع خارجي، وبالأخص في الحرب السورية.
أما ما حدث مؤخرًا من إغلاق لطريق المطار وظهور الاحتجاجات التي لم تكن سوى أداة إضافية لخلق حالة من الفوضى، فهي تذكرنا بتدهور الوضع الداخلي اللبناني. حيث أصبح إغلاق طريق المطار ليس مجرد حدث عرضي، بل انعكاسًا للوضع المتأزم في البلد الذي أصبح مرتهنًا لأجندات سياسية تزداد تعقيدًا، وسط تزايد تدخلات الميليشيات المسلحة في الساحة اللبنانية.
*الفساد: الشرخ الذي يوسع الهوة بين الشعب والدولة*
لا يقتصر خطر حز،ب الله على الجانب العسكري فقط، بل يمتد ليشمل تأثيره على المجال السياسي والاقتصادي، حيث أصبح الفساد جزءًا لا يتجزأ من المعادلة اللبنانية. إذ أن الانقسام الحاد بين القوى السياسية المتناحرة جعل من المحاصصة والزبائنية حجر الزاوية في إدارة الدولة، مع تعطيل أي محاولات للإصلاح. وهذا يعكس الواقع الذي يعيش فيه المواطن اللبناني يوميًا، من نقص في الخدمات العامة، إلى تدهور الوضع الاقتصادي، وصولاً إلى الإهدار المستمر للموارد العامة.
مؤسسات الدولة اللبنانية، التي من المفترض أن تكون حجر الزاوية لتحقيق العدالة والإنصاف، لا تزال تعاني من غياب المحاسبة الفعالة. الأحكام القضائية لا تُنفذ، والمسؤولون الفاسدون يستمرون في ممارسة أعمالهم دون رادع، مما يزيد من حالة الإحباط لدى المواطن اللبناني ويضعف الثقة في النظام السياسي والعدلي.
*العدالة والمحاكمة: متى نرى نتائج حقيقية؟*
لا يمكن لأي إصلاح اقتصادي أو سياسي أن ينجح في ظل غياب العدالة. لبنان بحاجة إلى قضاء مستقل وفعال يعمل على محاكمة كل من تورط في قضايا فساد أو تجاوزات ضد الدولة. لا يعقل أن تبقى المافيات السياسية والإدارية خارج السجون، في الوقت الذي يعاني فيه الشعب اللبناني من غياب الحقوق والخدمات الأساسية.
ما نحتاجه هو قضاء يعيد الثقة في مؤسسات الدولة، ويضع حدًا لأي تلاعب بالقوانين لصالح قوى متنفذة تسعى لحماية مصالحها. التحدي الأكبر في لبنان اليوم هو إعادة بناء هذه المؤسسات بما يتوافق مع تطلعات الشعب اللبناني، ووضع خطة جادة لانتخابات حرة ونزيهة بعيدة عن أي تدخلات سياسية أو أمنية.
لن يتحقق الاستقرار الأمني في لبنان إلا إذا تم نزع سلاح الميليشيات كافة، بما في ذلك سلاح حزب الله، الذي يعطل عمل الدولة ويمثل تهديدًا دائمًا لأمن المواطنين اللبنانيين. يجب على الحكومة اللبنانية أن تتحمل مسؤولياتها أمام شعبها وأمام المجتمع الدولي في تنفيذ القرارات الدولية، وعلى رأسها القرار 1559، الذي ينص على ضرورة نزع السلاح غير الشرعي، والقرار 1701 بكل مندرجاته الذي يضمن منع التصعيد في الجنوب.
إذا كانت الدولة اللبنانية جادة في إعادة بناء الثقة بين الشعب اللبناني ومؤسسات الدولة، فإن الخطوات الأولى يجب أن تكون واضحة: تطبيق القرارات الدولية، تقديم المفسدين إلى العدالة، إقرار إصلاحات انتخابية حقيقية، وضمان الأمن والاستقرار في كافة الأراضي اللبنانية.
*الخلاصة:*
لبنان اليوم بحاجة إلى خطوات جريئة نحو الإصلاح الشامل. لا إصلاح حقيقي دون تحقيق العدالة، ولا سيادة حقيقية دون نزع السلاح غير الشرعي. الطريق نحو استعادة لبنان هو طريق طويل، لكنه ممكن إذا توفرت الإرادة السياسية لدى المسؤولين اللبنانيين، وإذا توحدت القوى الوطنية لبناء دولة مدنية عادلة قائمة على احترام القانون، ومحاسبة الفاسدين، وإصلاح جميع مؤسسات الدولة.
لبنان يحتاج إلى قضاء مستقل، إلى حل فوري للمسألة الأمنية، وإلى وقف الفساد والمحاصصة التي أضرت بجميع فئات الشعب اللبناني. مع ضمان استقرار لبنان، يمكن أن يصبح نموذجًا للشرق الأوسط في بناء دول مدنية مزدهرة ومبنية على أسس من العدالة والمساواة.