الأحد, أبريل 20, 2025

ربيع الدولة وخريف الميليشيات!

بقلم ميراز الجندي محلل سياسي:

يشهد لبنان اليوم فترة سياسية واقتصادية جديدة، مع حكومة تُبشر بالأمل للعديد من اللبنانيين، حيث يتطلعون إلى بناء دولة قوية ومستقلة تخضع للقانون وتستعيد سيادتها…

إلا أن الواقع على الأرض يكشف عن تحديات جسيمة، أبرزها انتشار الميليشيات المسلحة بغلافات عدة، ومعالجة الملف الأمني، والسيطرة على الحدود التي أصبحت منفذًا رئيسيًا للتهريب في ظل غياب الرقابة الفعالة.

 

في خطوة قد تساهم في تأمين الحدود، نجح الأمن العام السوري في إغلاق بعض المعابر *الغير شرعية* بين لبنان وسوريا، بالإضافة إلى قصف إسرائيل للعديد من هذه المعابر. لكن السؤال الذي يظل قائمًا: من يحمي الشعب اللبناني من الأنشطة الغير قانونية في المناطق الحدودية؟

 

*تهريب المواد والخطر المتصاعد*

 

على مر السنوات، لعبت المناطق الحدودية بين لبنان وسورية دورًا كبيرًا في عمليات التهريب، سواء كانت موادًا غذائية أو محروقات وساهم بتجفيف الخزينة بعد سياسة الدعم السيئة أو حتى أسلحة. بعد إغلاق العديد من المعابر، لا يزال المواطن اللبناني في عكار يعاني من تهريب المواد المختلفة عبر طرق غير شرعية، بما فيها نقل الغاز عبر الشاحنات التي تفتقر لأدنى معايير السلامة العامة.

في ظل غياب أي محاسبة، يصبح الوضع خطيرًا ويشكل تهديدًا مباشرًا على حياة المواطنين.

هذه الأنشطة الممنوعة لا تقتصر على المواد البسيطة، بل تشمل مواد شديدة الخطورة مثل الأسلحة والمخدرات، الأمر الذي يفاقم من تدهور الوضع الأمني في لبنان ويزيد من أعباء الحكومة الحالية. كما أن هذه الأنشطة تُدار من قبل جماعات *”المهربجية”* الذين يستغلون الفوضى الأمنية وينفذون عملياتهم في الخفاء بعيدًا عن أي رقابة.

 

*دور الأجهزة الأمنية اللبنانية في التصدي للتهريب*

 

أين هي الأجهزة الأمنية اللبنانية في هذه المعادلة؟ منذ سنوات، والأجهزة الأمنية تتحمل مسؤوليات كبيرة في مواجهة ممارسات التهريب والأنشطة الغير قانونية. ولكن مع كل محاولة لتحسين الوضع الأمني، نجد أن هناك غيابًا في تنفيذ القوانين وحماية الحدود، ما يؤدي إلى استفحال الفوضى على الحدود الشمالية والشرقية.

 

الأجهزة الأمنية اللبنانية، التي يفترض أن تكون الخط الأول لحماية السيادة الوطنية، بحاجة إلى تطوير استراتيجيات أكثر فاعلية لمكافحة التهريب وحماية المواطنين. وهذه الخطط لا تقتصر فقط على تعزيز القدرات العسكرية، بل تتطلب تنسيقًا أكبر مع المؤسسات القانونية، وتطبيق قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بحماية الحدود والسيادة.

 

*ضرورة تطبيق القرارات الدولية*

 

في هذا السياق، يُعتبر *القرار 1680* و *القرار 1701* من أساسيات تأمين الحدود وحماية سيادة لبنان. فقرار 1680 يشدد على ضرورة احترام حدود لبنان الدولية، بينما يتناول القرار 1701 مختلف جوانب الصراع في الجنوب، بما في ذلك العمل على إنهاء أنشطة الميليشيات في لبنان.

تطبيق هذه القرارات يضمن ليس فقط استقرار الوضع الأمني، بل يعزز أيضًا ثقة المواطنين في الحكومة، ويقوي من موقف لبنان في المحافل الدولية. وهو ما يجعل من هذه القرارات خطوة ضرورية لوقف التهريب والحد من سلطة الميليشيات التي لا تزال تسيطر على العديد من المناطق الحدودية وتستفيد من الوضع القائم.

 

*المهربجية وأزمة الدولة*

 

في ظل غياب الرقابة الكافية، تستمر جماعات *”المهربجية”* في تنفيذ أنشطتها المحظورة دون أية محاسبة. هؤلاء الأشخاص غالبًا ما يستغلون الفراغ الأمني ويعتمدون على علاقات سياسية قوية مع بعض الشخصيات النافذة في الدولة، مما يمنحهم حصانة من الملاحقة القانونية.

 

المثير للدهشة أن هؤلاء *”المهربجية”* يحققون مصالحهم على حساب أرواح المواطنين اللبنانيين وأمن البلاد. في حين أن المواطن اللبناني العادي يعاني من ارتفاع الأسعار وغياب الأمن في العديد من المناطق، تبقى هذه الجماعات تتمتع بحرية الحركة، مما يؤدي إلى استفحال الأزمات الاقتصادية والأمنية.

 

*التحديات أمام الدولة اللبنانية*

 

إن ما يعيق الدولة اللبنانية عن القيام بدورها بشكل كامل في مكافحة التهريب وحماية السيادة هو وجود أطراف مسلحة خارج إطار الدولة، وهي ميليشيات تعتبر جزءًا من المشهد السياسي اللبناني. هذه الميليشيات لا تكتفي بتهديد الأمن الوطني فحسب، بل تسهم أيضًا في تقوية شبكات التهريب، مما يزيد من تعقيد الأوضاع الأمنية.

في هذا السياق، يتطلب الأمر إرادة سياسية قوية وجدية من الحكومة اللبنانية لمواجهة هذه التحديات، وتطبيق القرارات الدولية التي تهدف إلى تعزيز الاستقرار الداخلي وحماية السيادة اللبنانية.

 

*اخيرا وليس اخرًا*

 

لبنان اليوم يمر بمرحلة حساسة تتطلب تكاتف جميع القوى السياسية والأمنية من أجل استعادة الدولة سيادتها وإعادة بناء المؤسسات الأمنية بشكل يضمن حقوق المواطنين وحمايتهم.

لا يمكن للبنان أن يكون مجرد نقطة عبور للميليشيات والجماعات المسلحة التي تضر بمصالحه الوطنية.

 

إن تطبيق القرارات الدولية، وخصوصًا القرارات المتعلقة بتأمين الحدود، يمثل حجر الزاوية لإعادة بناء الدولة اللبنانية على أسس من القانون والعدالة. يجب على الأجهزة الأمنية أن تكون أكثر فعالية في مواجهة الأنشطة غير القانونية، وألا تترك للميليشيات أو المجموعات المسلحة فرصة للتمدد، بل يجب محاسبتهم على أفعالهم.

 

لبنان بحاجة إلى إصلاح حقيقي يعيد له قوته وهيبته ويضمن حياة آمنة ومستقرة لجميع مواطنيه. قد تكون الطريق طويلة وصعبة، لكن العزيمة والإرادة السياسية القوية هما الأساس للانتصار على هذه التحديات.

*#حل #ميراز_الجندي*

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version
Verified by MonsterInsights